شهد اليوم السبت إخلاء سبيل 16 متهمًا كان قد تم توقيفهم على هامش أحداث عنف بين مسلمين وأقباط، شهدتها محافظة المنيا في صعيد مصر، وقد نتج عنها حرق 3 منازل للأقباط،بحسب بيان لوزارة الداخلية.
وقال مقرر بيت العائلة المصرية بالمنيا الشيخ محمود جمعة، إن اللجنة التي تشكلت عقب الأحداث نجحت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في إتمام الصلح العرفي بين المتنازعين
وبحسب جمعة، فإن أهم الشروط التي تضمنتها ورقة التصالح هو رد الشيء لأصله وشرط جزائي 50 ألف جنيه لمن يخالف شروط التصالح وعدم العودة إلى الاعتداءات من جديد من الطرفين، كما تضمنت الشروط أن المسلمين والأقباط «يدواحدة» وإن ما حدث كان حادثا فرديا.
وأسست مصر عقب حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية في 2011 هيئة وطنية مستقلة أطلقت عليها مسمى «بيت العائلة المصرية» تقود اليوم أغلب جلسات الصلح التي تجريها السلطات بين المسلمين والمسيحين تحت شعار نشر ثقافة التعايش السلمي والمحبة بالجتمع المصري، وهو ما اتقده عضو مجلس النواب المصري عن حزب المصريين الأحرار جمال عباس، قائلاً لـ«الغد»، إن طريقة إدارة النزاعات بين المسلمين والأقباط في صعيد مصر، وخاصة مع تكرار الحوادث التي تشهدها محافظة المنيا. أشبه بالمسكنات التي تهدد بتأزم الوضع أكثر وخروجه عن السيطرة.
وبحسب تقديرات غير رسمية، يشكل المسيحيون في مصر نسبة من 10 إلى 15 % من تعداد الشعب الذي تجاوز الـ 90 مليون نسمة مطلع العام الجاري، بينما تأتي محافظة المنيا في صدارة المحافظات التي تشهد أزمات بين المسلميين والمسيحيي، حيث رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 77 حالة توتر وعنف طائفي بمختلف مراكز وقرى محافظة المنيا في الفترة من يناير/كانون الثاني 2011 وحتى يناير/كانون الثاني 2016.
وبحسب أحدث تقديرات جهاز التعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن عدد سكان المحافظة 6 ملايين مواطن، حيث يقطن بها أكبر تجمع قبطي في مصر والشرق الأوسط، ليبلغ نحو مليوني قبطي يمثلون نحو 30 في المئة من سكانها ، على مساحة حوالي 32 ألف كيلو متر.
وشهدت محافظة المنيا الأسبوع الماضي مقتل شخص وإصابة 2 آخرين فى مشاجرة بين مسلمين ومسيحيين بقرية طهنا الجبل، سببها مشادة كلامية بين أطفال مسلمين ومسيحيين، حيث طلب طفل مسلم من آخر مسيحي عمره نحو 5 سنوات إفساح الطريق للمرور بعربة كارو يقودها، فتعدى عليه بعض المارة بالضرب، وعندما شعر الصبي بأن الأهالي تكاثروا عليه، استدعى عددًا من أقاربه، وعقب ذلك حضر عدد من أهله ووقعت مشاجرة أسفرت عن مقتل شخص يدعى ماري، 22 سنة وهو أحد أبناء عمومة القس متاوس نجيب، راعي كنيسة مار مينا بقرية طهنا الجبل، فيما أصيب اثنان آخران بينهما سيدة وتم نقلها إلى المستشفى العام. وكانت قرية أبو يعقوب التابعة لمركز المنيا هي الآخرى قد شهدت اشتباكات عنيفة بين مسلمين وأقباط، بسبب شائعات تحويل منزل تحت الإنشاء لكنيسة، ما أسفر عن احتراق 3 منازل.
ومنذ مطلع العام الجاري نشبت أحداث توتر وعنف شهدتها المحافظة نفسها بداية من واقعة تجريد سيدة مسيحية مسنة من ملابسها والاعتداء عليها بالضرب وحرق عدد من منازل الأقباط، ثم أحداث قرية كوم اللوفي بسمالوط أحد مراكز المنيا، ثم أحداث قرية أبو يعقوب ثم واقعة مقتل نجل كاهن قرية طهنا الجبل.
وأثناء حضور حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب الكلية الحربية، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قائلاـ إن هناك دولة اسمها دولة القانون، متوعدا من يخطئ بالمحاسبة الشديدة، وشدد على أن الجميع أمام القانون من أول رئيس الجمهورية وحتى أي مواطن، موضحا، أن الجميع شركاء في هذا الوطن ولا يليق بنا أن نقول هذا مصري مسلم وهذا مصري مسيحي.
ورغم ذلك لم تمر سوى ساعات قليلة على خطاب السيسي، حتى ألقت أجهزة الأمن في بني سويف القبض على 16 مسلمًا وقبطيًا، بسبب خلاف وقع بعد انتشار شائعة تحويل مسيحيين منزلهم إلى جمعية دينية لإقامة شعائرهم، فيما أظهر فيديو قصير تم تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي، مهاجمة عشرات الأشخاص لمنزل قبطي في قرية «صفط الخرسا» التابعة لمركز الفشن ببنى سويف، وقذفه بالحجارة والزجاج، ويظهر الفيديو عشرات من أعمار مختلفة، احتشدوا بعد صلاة الجمعة، وقاموا بالاعتداء على منازل الأقباط بالحجارة.
واتسمت إجراءات القاهرة، بحسب النائب، لوقف تمدد ما وصفه السيسي بمحاولات الوقيعة بين المصريين، باتخاذ نفس الإجراءات التقليدية، المعتادة فى مثل تلك المواقف، أشهرها تسيير قوافل دعوية من الأزهر والكنيسة، وعقد جلسات صلح عرفية، تحت راعاية وزارة الداخلية، فضلاً عن تشديد التواجد الأمني بمحل الأحداث، ومن ثما تشكيل لجنة تقصي حقائق، تنتهى للا شيء. وهو ما أشار إليه نائب المصريين الأحرار.
وأضاف عباس، أن أحد أسباب تكرار المشكلة عدم تناول ظاهرة التطرف الديني من منظور استعراض الأسباب والحلول وعرض رؤية وفكر المثقفين والباحثين المسلمين والأقباط، للقضاء علي حوادث الفتن الطائفية وعدم انتهاج نفس الفكر واللجوء إلي الجلسات العرفية التي طالما استخدمت كمسكنات وقتية، لافتاً النظر إلي أن الدولة تحتاج تغيير تعريف التطرف من نظرتنا إليه بصورة من يحمل السلاح أو يلجأ إلي العنف إلى دعوات الكراهية والتطرف والتميز الديني وتكفير مخالفي ملتهم، هذا هو التعريف الأقرب إلي الواقع، بعيداً عن الحلول الودية وتضميد الجراح، مؤكداً أنه سيطالب البرلمان بالانتهاء من قانون بناء الكنائس مع مراعاة الاختلافات والتطورات العصريةوأعداد المسيحيين في مصر وعدم انتهاج نفس الأفكار القديمة.
وكان أسقف عام المنيا الأنبا مكاريوس، قد صرح وسط حشد من الأقباط، بأن «حق الشهيد (فام) مش هايروح ودمه لن يذهب هباءً ولن نترك حقه مهما طال الوقت.. لابد أن نهدأ لأنه في مكان أفضل»، وسط هتافات غاضبة لأهالي قتيل طهنا الجبل،بينما طالبت مطرانية المنيا للأقباط الأرثوذكس بمحاسبة المسؤولين عن إحراق منازل عدد من الأقباط، خلال الأحداث التي وقعت أمس بقرية أبو يعقوب بالمنيا، بعد انتشار شائعة تحويل مبنى لكنيسة.
