تجديد الخطاب الديني «مصر.. على عبد الرازق: رسالة لا حكومة.. ودين لا دولة»

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

ألغى مصطفى كمال أتاتورك، الخلافة الإسلامية فى تركيا فى الثلاثين من أكتوبر سنة 1923م بعد أن زالت الدولة العثمانية عمليا من الوجود، بعدها بقليل وجد الملك فؤاد الذى يحكم مصر تحت الاحتلال البريطانى الفرصة مواتية لإعلان نفسه خليفة للمسلمين، ولو تحت الحماية البريطانية، وكانت مطامعه فى ذلك قوية جارفة، فأوصى بفكرة عقد مؤتمر الخلافة فى القاهرة، تدعو لعقده لجنة تحضيرية من كبار علماء الأزهر يكون سكرتيرها الشيخ حسين والى، وكان الشيخ الأحمدى الظواهرى، من أشد المتحمسين للمؤتمر، والسعى من أجل انعقاده ولما لمح بوادر الفشل، وتوجس بعض الدول من المشاركة، بإيعاز من السعودية حينذاك، ذهب لمقابلة الملك فؤاد شخصيا، كما تعود أن يفعل، وقد حكى ذلك فى مذكراته يقول الشيخ الظواهرى: وعندما رأيت بوادر الفشل فى عقد المؤتمر، طلبت مقابلة الملك فؤاد، فصارحته، كما تعودت أن أصارحه دائما، وأخبرته بما يتقول به رجال الأمم الأخرى فقال أى الملك إننى رجل مسلم وأحب رفعة الإسلام، وجمع كلمة المسلمين ولا أحب أن يتفرقوا، ولهذا شجعت علماء الأزهر على فكرة إقامة مؤتمر فى القاهرة يبحث فى مسألة الخلافة من جميع نواحيها، ولم أقصد من ذلك أن أكون أنا الخليفة بالذات، كما ظن بعضهم. قبل ذلك بعام كانت مصر قد نالت استقلالها بتصريح 28فبراير 1922م وأصبح لها سفراء فى أهم عواصم العالم لكن المؤتمر عقد على أى حال، بعد مرور ست سنوات من التفكير فيه ولم يسفر عن شىء، للتنازع بين مصر والسعودية، حيث الأزهر يقف إلى جانب فؤاد وذريته، والسعودية لها أتباع كثيرون ضمن رجال الأزهر، هذه الملابسات التاريخية مهمة لفهم كتاب الشيخ على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم بحث فى الخلافة والحكومة فى الإسلام» وهو الكتاب الذى كفر بسببه وهوجم على المنابر، وقدم للمحاكمة، وفصل من الأزهر واعتبره البعض أشد وقعا على المسلمين من فعلة كمال أتاتورك، فبرغم ما فى هجمة أتاتورك وجنايته على الإسلام من الضراوة والقسوة والشراسة، فإن جناية على عبد الرازق فى كتابه أشد وأخطر، كما كتب بعض الفقهاء، وهذا يعنى أن الكتاب «الإسلام وأصول الحكم» قد أحدث أثره، وقضى على آمال الفقهاء، بمعاونة الملك فؤاد فى إعادة جثة الخلافة إلى الوجود مرة أخرى، كما أنه من جهة ثانية، أحدث هزة فى الأوساط الفكرية والثقافية فى مصر، وأغلب البلاد العربية، وأعاد الجدل حول الحكومة الإسلامية، والحكومة المدنية، بل وأعاد النظر فى الكثير من المسلمات الفكرية والسياسية حول الإسلام، لاسيما وقد لحق به بعد قليل كتاب طه حسين الإشكالى فى الشعر الجاهلى سنة 1926، بعد نشر كتاب على عبد الرازق مباشرة عام 1925، وقد صدرت منه ثلاث طبعات فى عام واحد، فماذا حوى كتاب على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» وكيف أسس مشروع الإسلام المدنى، والإسلام الحضارى، الذى تخلص من الأسماء البالية والهالات الكاذبة التى كان الخلفاء يحيطون أنفسهم بها، وبها يذلون أعنان المسلمين ويستذلون الدول، التى تدفع لهم الإتاوات السنوية. على أن الكثيرين لا يتوقفون أمام العنوان الفرعى وهو: بحث فى الخلافة والحكومة فى الإسلام، فضلا عن أن ثلاثة أرباع النخبة المصرية التى تجادل حول «الإسلام هو الحل» معه أو ضده، لم تقرأ الكتاب، ومن قرأ، قرأ عنه، ولم يقرأ متن الكتاب إلا من رحم ربك، وقليل ما هم.

ينقسم الكتاب على طريقة القدماء، إلى ثلاثة كتب، الأول منها يدور حول الخلافة والإسلام، وطبيعة الخلافة وحكمها وتعريفاتها، وأثارها الاجتماعية والكتاب الثانى حول: الحكومة والإسلام والرسالة، والحكم والفرق بينهما، وأن الإسلام رسالة لا حكم، ودين لا دولة، والكتاب الثالث حول الخلافة والحكومة فى التاريخ، المدهش أن الشيخ محمد الطاهر بن عاشور كتب كتابا كاملا للرد على عبد الرازق وأسماه نقد علمى لكتاب الإسلام وأصول الحكم، على أى حال، نسف عبد الرازق الأوهام المتعلقة بفكرة الخلافة، ورأى عدم إلزامية الخلافة، وطالب بدولة إسلامية مدنية قائمة على الشورى، وأن الخلافة مفردة لغوية تعنى أن يخلف لا حق سابق، بترتيب زمنى، ولا وجه لإسباغ القداسة عليها، ودعا المسلمين للانفتاح على تجارب العالم بلا خوف إذ لا يوجد دينيا ما يمنعهم من ذلك حيث قال: لا شىء فى الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى فى علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذى ذلوا واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم، على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم.

رفض على عبد الرازق الخلافة درءا لخطر الاستبداد وأن يستغل الدين فى إذلال الناس، وتغييب وعيهم، ولو تأملت عناونين الكتاب كنظام الحكم فى عصر النبوة، والرسالة والحكم، ورسالة لا حكم، ودين لا دولة، لأدركت أنه وفى وقت مبكر من القرن العشرين يدعو إلى فصل الدين عن الدولة والرسالة عن الحكم مع إيمان بوجوب وجود الدولة أو الحكومة، وبنص كلامه:«المعروف الذى ارتضاه علماء السياسة أنه لابد لاستقامة الأمر فى أمة متمدينة، سواء أكانت ذات دين أم لا دين لها، وسواء أكانت مسلمة أم مسيحية أم يهودية، أم مختلطة الأديان، لابد لأمة منظمة مهما كان معتقدها، ومهما كان جنسها ولونها ولسانها من حكومة تباشر شئونها، وتقوم بضبط الأمر فيها، قد تختلف أشكال الحكومة وأوصافها بين دستورية واستبدادية، وبين جمهورية وبولشفية وغير ذلك وقد يتنازع علماء السياسة فى تفضيل نوع من الحكومة على نوع آخر، ولكننا لا نعرف لأحد منهم ولا من غيرهم نزاعا فى أن أمة من الأمم لابد لها من نوع من أنواع الحكم.

فرق على عبد الرازق، بين الرسالة والحكم، وهذا الكلام لدعاة الدولة الدينية، ودعاة خلط الدين بالسياسة، أو سياسة بمرجعية إسلامية أو أى مرجعية دينية، مفارقة لحركة البشر كما فرق بين الدين والدولة، كما رصد الشواهد التى تنفى ـ استنادا على الكتاب والسنة ـ المملكة النبوية، أى أنه النبى كان ملكا ولا يهولنك البحث فى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملكا أم لا، ولا تحسبن أن ذلك البحث ذو خطر فى الدين قد يخشى شره على إيمان الباحث، فالأمر إن فطنت إليه أهون من أن يخرج مؤمنا من حظيرة الإيمان، بل أهون من أن يزحزح المتقى عن حظيرة التقوى.

يقول المفكر السودانى حيدر إبراهيم على إن على عبد الرازق عارض بشجاعة الأراء المستقرة والمتفق عليها ويفرق بين الحقيقة التاريخية، والحقيقة المنطقية، وبين الأراء السائدة والمجمع عليها، حين يكتب: أن المسلم العامى يجنح غالبا إلى اعتقاد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ملكا ورسولا، وأنه أسس بالإسلام دولة سياسية مدنية كان ملكها وسيدها يتلاءم مع ذوق المسلمين العام، ولعله أيضا رأى جمهور العلماء من المسلمين، فإنك تراهم إذا عرض لهم الكلام فى شىء يتصل بذلك الموضوع يميلون إلى اعتبار الإسلام وحدة سياسية ودولة أسسها النبى، ثم يأخذ على عبد الرازق فى كشف زيف هذه المسلمة التى يشترك فى تصديقها العامة، وجمهور العلماء، وهذا الكشف هو وسيلته المعرفية لنفى قيام الدولة الدينية فى الإسلام، حتى إنه لا يرى فى الذين رفضوا دفع الزكاة بعد وفاة الرسول مرتدين لأن الزكاة كانت تؤدى إلى النبى، وأن حروب الردة لم تكن دينية بل سياسية، ويرى عبد الرازق أن زعامة النبى انتهت بوفاته ولا توحد بعده زعامة دينية، وما لأحد أن يخلفه فى زعامته ورسالته، وما جاء بعده هو نوع جديد من الزعامة، مدنية أو سياسية غير التى عرفناها زمن النبى، وهى زعامة الحكومة والسلطان لا زعامة الدين.

فلو خلف أحدهم النبى بالمفهوم الدينى، لورث عصمته وقداسته، وهو المفهوم الذى روجه الخلفاء، أو من يدعون ببعث الخلافة، وهو ما يفنده على عبد الرازق بالقول:«كذلك فشا بين المسلمين منذ الصدر الأول الزعم بأن الخلافة مقام دينى، ونيابة عن صاحب الشرعية عليه السلام، كان من مصلحة السلاطين أن يروجوا ذلك الخطأ بين الناس، حتى يتخذوا من الدين درعا تحمى عروشهم، وتذود الخارجين عليهم، ثم الأنكى من ذلك أن الخلافة صارت لدى بعضهم أصلا من أصول الدين، ومن عقائد التوجيه، وتلك جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين أضلوهم عن الهوى وعموا عليهم وجوه الحق وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدين، وباسم الدين استبدوا بهم وأذلوهم.

هل إقامة شرع الله تستلزم وجود الخلافة، بمعناها المتداول؟

الإجابة عند على عبد الرازق: أن شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم، لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذى يسميه الفقهاء خلافة.. فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]