تجديد الخطاب الديني «لبنان.. شكيب أرسلان: الإسلام وطن.. خيانة للدين والوطن»

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

سؤال حارق من مسلم هو: محمد بسيونى عمران، إمام مهراجا جزيرة سمبس برنيو (جاوة)، منذ أكثر من مائة عام بعث به فى رسالة إلى الشيخ محمد رشيد رضا يقول فيه: حضرة مولاى الأستاذ المصلح الكبير السيد محمد رشيد رضا، صاحب المنار نفعنى الله والمسلمين بوجوده العزيز آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإن من قرأ ما كتبه فى المنار وفى الجرائد العربية العلامة السياسى الكبير، أمير البيان الأمير شكيب أرسلان، من مقالاته الرنانة، مختلفة المواضيع، عرف أنه من أكبر كتاب المسلمين المدافعين عن الإسلام، وأنه أقوى ضلع للمنار وصاحبه فى خدمة الإسلام والمسلمين، وإنى أرجو من الله تعالى أن يطيل بقاءهما الشريف فى خير وعافية، كما أرجو من مولادى الأستاذ صاحب المنار أن يطلب من هذا الأمير الكاتب الكبير، أن يتفضل على بالجواب عن أسئلتى الآتية وهى:

ما أسباب ما صار إليه المسلمون (لاسيما نحن مسلمى «جاوة وملايو») من الضعف والانحطاط فى الأمور الدنيوية والدينية معا، وصرنا أذلاء لا حول لنا ولا قوة، وقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»، فأين عزة المؤمنين الآن؟ وهل يصح لمؤمن أن يدعى أنه عزيز؟ وإن كان ذليلا مهانا ليس عنده شىء من أسباب العزة إلا لأن الله تعالى قال: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»؟

ما الأسباب التى ارتقى بها الأوربيون والأمريكانيون، واليابانيون ارتقاء هائلا، وهل يمكن أن يصير المسلمون أمثالهم فى هذا الارتقاء، إذا اتبعوهم فى أسبابه مع المحافظة على دينهم الإسلام أم لا؟

هذه هى الأسئلة القديمة الجديدة التى سألها رجل من مسلمى جزيرة جاوة عن طريق رسالته إلى الشيخ رشيد رضا، التى أوصلها بدوره إلى الأمير العلامة شكيب أ رسلان، وهى أسئلة فتحت باب المعارك بين القديم والجديد، بين أسباب ارتقاد الأمم الغربية، لو أخذنا بها، مع شرط الحفاظ على ديننا الإسلام، وكأن السائل دون أن يدرى، وضع أسباب ارتقاء الأمم، والإسلام فى مواجهة نقيض، أو كأنهما شيئان لا يلتقيان، فإن أنت أخذت بأسباب الارتقاء، خفت على دينك الإسلام الضياع، وإن حافظت على دينك، أهملت أسباب الارتقاء، وبعد الإجابات التى فصلها شكيب أرسلان فى رسالة نشرت بعد ذلك فى كتابه، أسهم الإمام محمد عبده بدوره فى البحث عن إجابة، ثم صارت أسئلة المواطن «الجاوى» تتكرر كل عقد من الزمن، وتقدم عنها إجابات مختلفة كل عقد من الزمن، والإجابات الجديدة تأخذ من القديمة، وتضيف إليها، ثم تضاف أسئلة جديدة، لم تكن تكنولوجيا اليابان والأمريكانيين، قد طرحتها، ويظل طرفا النقيض لا يلتقيان، لأن أسباب الارتقاء تقتضى التفكير العلمى، دون مرجعية سابقة يقاس عليها، أو ما رأى الدين فى كذا وكذا، أسباب الارتقاء تقتضى العلمانية، والعلمانية عند عامة المسلمين وخاصتهم كفر، ومما يوجع القلب أن أحد من يدعون التفكير كتب مقالا فى شهر إبريل من عام 2011، بعد ثورة يناير، وكان الإخوان قد بزغ نجمهم وتسيدوا المشهد بعنوان: العلمانية هل نحن فى حاجة إليها؟ مع أنه حصل على درجة الدكترة من أمريكا العلمانية فى موضوع: الإسلام والديمقراطية، لكن النخبطة تنتقم منا والأفكار تنتقم منهم.

ماذا كان جواب الأمير شكيب أرسلان على سؤال السائل حول تخلف المسلمين وتقدم غيرهم؟

السبب الأول فى رأى شكيب أرسلان أن المسلمين تركوا العمل إلى الكسل، إذ كيف ترى فى أمة ينصرها الله بدون عمل ويفيض عليها الخيرات التى كان يفيضها على آبائها، وهى قد قعدت عن جميع العزائم التى كان يقوم بها آباؤها، وذلك يكون أيضا مخالفا للحكمة الإلهية، والله هو العزيز الحكيم، ما قولك فى عزة دون استحقاق، وفى غلة دون حرث ولا زرع، وفى فوز دون سعى ولا كسب، وفى تأييد دون أدنى سبب يوجب التأييد؟

أما السبب المقابل فى تقدم الأوروبيين وتخلف المسلمين، هو أن أهل الغرب، بذلوا أنفسهم وأموالهم من أجل أوطانهم والحرص على وحدتها وقدموا الملايين من القتلى فى الحرب الأولى، الألمان مليونا قتيل، وفرنسا مليون وأربعمائة ألف، والإنجليز ستمائة ألف، والطليان والروس…. إلخ، فليقل لى قائل أية دولة مسلمة اليوم تقدم على ما أقدم عليه هؤلاء النصارى «بتعبير عصره» من بيع النفوس، وإنفاق الأموال دون حساب فى سبيل أوطانهم، ودولهم حتى نعجب نحن لماذا أتاهم الله هذه النعمة والعظمة والثروة وحرم المسلمين اليوم أقل جزء منها؟

وهكذا ظل الأمير شكيب أرسلان يذكر صفة حميدة للغرب وعكسها عند المسلمين، ويعجب كيف يتساءل المسلمون عن ذلهم وعزة الغرب، فيذكر مقابل ولاء الغربى لوطنه وإيثاره على نفسه خيانة بعض المسلمين لدينهم ووطنهم، واعتذارهم الباطل يقول شكيب أرسلان: وإذا سألت هؤلاء المسلمين الممالئين للعدو على إخوانهم: كيف تفعلون مثل هذا وأنتم تعلمون أنه مخالف للدين وللشرف وللفتوة وللمروءة وللمصلحة وللسياسة؟ أجابوك: كيف نصنع فإن الأجانب انتدبونا ولو لم نفعل لبطشوا بنا، وكلام مثل هؤلاء فى الاعتذار غير صحيح، فإن الأجانب قد ندبوا كثيرا من المسلمين إلى خيانات كهذه فلم يجيبوهم، ولم تنقض عليهم السماء من فوقهم، ولا خسفت بهم الأرض من تحتهم (يا الله.. كأن الرجل يفسر لنا عمالة بعض أهلنا من المسلمين والإخوان والليبراليين لأمريكا وغيرها، وهم يعلمون ما يخططون لنا، لكن هؤلاء اليوم لا يعتذرون بالخوف من بطش الأمريكيين، وإنما يعتذرون بدولاراتهم ورفاهيتهم، لكن الرجل لا يقصد خيانة المسلم العادى البسيط الذى قد تغريه الأموال لضيق حاله وشظف عيشه، وإنما يقصد الخواص، وبعضهم وزراء، وكانوا على أيامه كثيرون، يقول: لكن الأنكى هو خيانة الخواص، مثال ذلك الوزير المقرى الذى هو أشد تعصبا لقضية رفع الشريعة الإسلامية، من بين البربر من الفرنسيين أنفسهم، ومثله البغدادى باشا فاس، الذى طرح نحو مائة شخص من شبان فاس لكونهم اجتمعوا فى جامع القرويين يدعون على المحتل، ومفتى فاس الذى أفتى بأن إلغاء الشرع الإسلامى من بين البربر ليس بإخراج للبرير من الإسلام وهلم جرا.

على أن شكيب أرسلان، وهو يشخص داء الأمة الإسلامية، ويحاول أن يجد لها الحلول، يأخذ على هؤلاء وأمثالهم خسة أنفسهم، وضعتهم، وعدم تقديرهم للأمور، حين يقول فى هامش توضيحى: الغريب فى هذا أن أمثال هؤلاء الخونة يبيعون بلادهم كلها للأجنبى بثمن خسيس هو جزء منها لا من مال الأجنبى، ولو أخلصوا فى صده عنها لكان لهم منها أكثر مما يعطيهم الأجنبى منها، ثم يكون باقيها لأولادهم وأهليهم وإخوانهم فى الدين مع العز والشرف.

ثم يقارن أرسلان بعد ذلك بين المسلمين وغيرهم فى البذل لنشر الدين، ثم يذكر بعد ذلك أن من أعظم أسباب تأخر المسلمين فساد الأخلاق الفردية والجماعية، ثم الجبن والهلع واليأس، ثم ضياع الإسلام بين الجامدين والجاحدين، وعدم المحافظة على القومية، فالإسلام ليس وطنا، بل الوطن هو الأرض التى تقف عليها، ثم بعد ذلك وهو سبب قد تراه ثانويا، كراهة المسلمين للجمال والفنون الراقية، وفى كل نقطة من تلك النقاط يضع أرسلان الحل الأمثل لها.

أما وقد أجمل الرجل رأيه فيما مضى، يأتى بعد ذلك للشرح المستفيض لكنه، يفيض أكثر في نقطة يراها هى أس البلاء وهى: غوائل الجامدين فى الإسلام والمسلمين، والجامدون الذين يقصدهم هم الذين يقدسون كل كلمة قيلت حول الدين، مع أنها من بشر مثلهم، وليست من أصل الدين ويرون كل مجدد كافرا، ولو كان يفكر للمصلحة العامة: فالجامد، كما يقول شكيب أرسلان، هو الذى مهد لأعداء المدنية الإسلامية الطريق لمحاربة هذه المدنية محتجين بأن التأخر الذى عليه العالم الإسلامى إنما هو ثمرة تعاليمه.

والجامد هو سبب الفقر الذى ابتلى به المسلمون لأنه جعل الإسلام دين آخرة فقط، والجامد هو من شهر الحرب على العلوم الطبيعية والرياضية والفلسفية، وفنونها وصناعاتها بحجة أنها من علوم الكفار، فحرم الإسلام ثمرات هذه العلوم، وأورث أبناءه الفقر الذى هم فيه وقص أجنحتهم، فإن العلوم الطبيعية هى العلوم الباحثة فى الأرض، والأرض لا تخرج أفلاذها إلا لمن يبحث فيها، فإن كنا طول العمر لا نتكلم إلا فيما هو عائد للآخرة، قالت لنا الأرض: اذهبوا توا إلى الآخرة فليس لكم نصيب منى.

وفى فصل بعنوان: كون الجامدين فتنة لأعداء الإسلام وحجة عليه، حيث وصف الجمود، نقطة مركزية فى كتاب «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم» يعطيها شكيب أرسلان أغلب جهده، ويرى أن الجامدين الرافضين للتجديد فى الدين هم العقبة الكئود فى سبيل تقدم دينهم وأوطانهم، وأنهم سبب فقر إخوانهم المسلمين: ونعود إلى المسلم الجامد فنقول إنه هو الذى طرق لأعداء الإسلام على الإسلام، وأوجد لهم السبيل إلى القالة بحقه، حتى قالوا إنه دين لا يأتلف مع الرقى العصرى، وأنه دين حائل دون المدنية، والحقيقة أن هؤلاء الجامدين هم الذين لا تأتلف عقائدهم مع المدنية، وهم الذين يحولون دون الرقى العصرى والإسلام براء من جماداتهم هذه.

وأمام جمود هؤلاء الجامدين، يذهب شكيب أرسلان إلى حضارة الإسلام، ليرد عليهم بـ «مدنية الإسلام»، وأهم علماء المسلمين المجددين فى الدين، عبر تاريخه، وكذلك علماء الإسلام الذين اهتموا بالطبيعة، ويرى أن الأجداد أكثر جرأة من الأحفاد الخانعين، ولا ينسى فى الطريق أن يخصص جزءا من رسالته للرد على الجاحدين على الإسلام مدنيته، ويذكرهم بذلتهم وتخلفهم أيام كان الإسلام يسود الحضارات ويعطيها الدفعة الأقوى للتقدم والنمو، وخلاصة الأمر أن الإسلام، وأن المسلمين لا ينهضون، ولن ينهضوا إلا بمثل ما نهض به غيرهم، وهو العلم.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]