تجديد الخطاب الديني «خيانة الجمود.. قوة الكوابيس»

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

وصلنا إلي ختام محتوم لهذه الحلقات، في قضية لا ختام فيها، ولن يكون. فالتجديد والدعوة إليه، قائم ما ظلت الدنيا قائمة، وقضية تخلف المسلمين، وخروجهم من السياق الحضاري، ستستمر هنا طويلاً، مادام بيننا جماعات تتعامل مع اجتهادات البشر حول النص القرآني، ومع سلوكهم علي أنه من مقدسات الأمة، وجعلت منه ديناً وضعياً، أحلته محل إسلام الله، كما نزل علي محمد، وهؤلاء وهؤلاء إلي زوال، فالتكنولوجيا التي قضت علي كل أيديولوجيا في نهاية القرن العشرين، ووحدت البشر، في فضاء واحد، قادرة علي تجلية صورة الدين المقدس كرسالة في نص، وحركة الأفراد في تعاملهم مع هذه التكنولوجيا، واحتكاكهم بالحضارة التي ولدتها، ستكنس ركام الخراقات والجهل والأساطير، الذي تراكم حول الدين، والدول التي تنص في دساتيرها علي دين لها، ستكتشف بعد قليل مأزقها الذي صنعته بيديها لنفسها، فإذا كان للدولة دين رسمي، كما يري سلامة موسي، صار الطعن في الدين (أي دين) أو انتقاده داعية إلي تألب طوائف عديدة للذب عنه منهم العامة الذين يحثهم خوفهم من الدين علي اضطهاد المنتقد، ومنهم الكهنة الذين يخشون علي مصالحهم، ومنهم جميع أفراد الأمة تقريباً الذين يرون أن السير علي سنن السلف أيسر علي قلوبهم، من ابتداع البدع، لأنه يجب ألا ننسي أن الجماعات بحكم بيئتها مطبوعة علي الجمود.

كما يخول ذلك لأية جماعة أن تنسب لنفسها، فضيلة الدفاع عن الدين، وسيجتمع حولها الرعاع، والمهزومون والمحبطون، والمتدينون بحق والمتدينون المزيفون، وأصحاب الحاجات الذين يسهل تجنيدهم، ولما تقوي هذه الجماعة، تنقل عملها إلي مجال السياسة لا بقواعد السياسة، التي هي عملية، وإجرائية وبشرية، تتوخي مصالح الناس، دون النظر إلي دينهم أو لونهم، أو مراتبهم الاجتماعية، وكلها حاجات وأمور متغيرة، بل بقواعد الدين الثابتة، وهنا يصبح كل من يخالفها كافراً، ثم يلي ذلك أن تتفتت وحدة الأوطان وتنقسم الشعوب علي نفسها، وتتناحر، وينتصر كل منهم علي أخيه، بمعين خارجي، وهي فكرة القابلية للاستعمار، كما جاءت عند مالك بن نبي، وهو ما التقطه الغرب أيضاً فنفخ في هذه الجماعات ودعمها وقواها، وفي ذلك شرح وافٍ بالأرقام وأسماء الحركات التي دعمها الغرب، واستخدمها لتنفيذ مخططاته، وما كان لينجح لولا قابليتنا لذلك، شرح ذلك في كتاب ضابط المخابرات الأمريكي “جرايهام. إي . فولر”: “عالم بلا إسلام .. ماذا لو” الذي يقول بالحرف:
كذلك فقد قامت واشنطن بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، في معارضتها لنظام جمال عبدالناصر، في مصر في أواخر خمسينيات القرن العشرين، واستعانت بالسعوديين للغرض ذاته، كما استعانت بالإخوان للإطاحة بنظام حكم موال لعبدالناصر في اليمن عام 1962، وامتد الدعم الأمريكي للحركات الإسلامية في إندونيسيا أيضاً، ولقد مارست إسرائيل الدور ذاته،، فخلال ستينيات القرن العشرين، قامت بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس الإسلامية، والذي كانت قد اعتقلته حينذاك، كما قامت بتمويل الحركة كأداة ضد “منظمة التحرير الفلسطينية” ذات الطابع العروبي القومي بقيادة “ياسر عرفات” ثم يضيف فولر: أن الولايات المتحدة تتحمل جانباً من مسئولية الانحراف المتعمد لدور العديد من الحركات الأيديولوجية في العالم الإسلامي.
سندع ذلك جانباً، ونتأمل مصير المفكرين العرب، الذين حاولوا تخليص أمتهم من هذه التبعية المزدوجة، سواء للتراث القديم، أو للغرب، كلهم بلا استثناء إما ماتوا قتلاً واغتيالاً، أو حوكموا وفرقوا عن زوجاتهم، أو تم نفيهم، كما جري مع نصر أبوزيد، واغتيالاً كما جري لحسين مروة، الشيعي الذي اغتاله حزب الله الشيعي أيضاً، لأنه تجرأ، ونقض مقولات تشكل البني الفكرية التي تغذي صراعات: سني ـ شيعي، وعلي مبروك ترك جامعة القاهرة، وذهب إلي كيب تاون لأن الكهنة يخشون علي مصالحهم، وعامة الناس يرون أن السير علي سنن السلف أيسر علي قلوبهم من ابتداع البدع، وهذا يقودنا إلي تلمس عوامل الفناء في هذه الأمة، وهي أكثر رسوخاً وأشد قساوة، من عوامل البقاء، وعوامل الفناء هي استجلاب فكرة ميتة من التراث مع فكرة ميتة من الغرب، وتعاود فيهم هذه الأفكار انتقامها، وأي رجل تجرأ وقال: لقد عرفت الذي يؤدي بنا إلي وطن أفضل من وطننا هذا، ورأيت وعود الحياة السعيدة، فامشوا ورائي وأنا أقودكم فإن الآلهة تبتسم هناك، كما تبتسم هنا وفي كل مكان آخر، صلب ونفي، وترك محتكري الله لأنفسهم من إلههم.
مصائر هؤلاء المفكرين،كما تجلي من هذه الحلقات، بائسة ومأساوية، فيما يعيش دعاة التخلف في القصور بأموال الوادعين الجهلاء، سواء من التبرعات أو من الفضائيات، كما أن الخريطة المكانية للمفكرين تشمل الشام ومصرو المغرب العربي، والأفكار التنويرية أكثر جذرية في دول المغرب العربي، وخلت دول الخليج العربي، من ظهور أي مفكر ذي شأن في هذا السياق، وهو أمر مفهوم في ظل سيادة المذهب الوهابي في الجزيرة العربية، وهو مذهب قائم علي سلطة النقل ضد سلطة العقل.
بقيت بعض الحقائق في هذه الحلقات وهي أن المفكرين جميعهم تعاملوا مع النص القرآني علي أنه النص المؤسس للحضارة الإسلامية، وطالبوا بإعادة تأويله، وليس إنكاره، وطالبوا بمساءلة تفسيراته المتراكمة والتعامل معها علي أنها نصوص بشرية، وليست مقدسة، والمقدس وحده هو القرآن، وأن هذه الاجتهادات البشرية هي آراء رجال محكومين بظروف زمنية واجتماعية معينة، ولا ينبغي تقديسهم، وهي البضاعة التي يتعيش عليها السلفيون، كما أجمعوا من جهة ثانية، علي أن أسباب التدهور في الفكر الإسلامي هي بنت سببين رئيسيين هما: الاحتلال العثماني للبلاد العربية، حتي أن الدكتور محمد كرد علي، خصص لتخريبهم للإسلام والمدنية العربية فصلاً ضافياً في كتابه: الإسلام والحضارة العربية، قال فيه: ومن أهم ما قضي علي مدنية العرب في عهد الترك إهمال المدارس وامتداد أطماع الطامعين في استصفائها ونزع وقوفها وأحباسها، وفي الخطط التوقيفية إن النظار في مدارس القاهرة تصرفوا خلال ثلاثة قرون من العهد التركي علي غير شروط وقفها، وامتنع الصرف علي المدرسة والطلبة والخدمة، وانقطع التدريس بالكلية لكثرة الاضرابات، وبيعت كتب المدارس وانتهبت، حتي آلت الحال ببعض المدارس الفخمة والمباني الجليلة أن أصبحت زوايا صغيرة، وزال بعضها جملة أو صار زريبة أو حوشاً أو غير ذلك.
لم يكن الاستعمار التركي، والخلافة ذات السمة التركية عسكرية، وفقط، وإنما عمقت تخلف الأمم التابعة، بأخذ خيرة عقولها حتي فرغتها منها تماماًَ لصالح الأستانة، وتركت البلاد التابعة في جهلها ليسهل قيادها، وقد وصف ذلك “جوستاف لوبون” في كتابه حضارة العرب قائلاً: رأينا البلاد التي خضعت للترك قروناً متقهقرة متراجعة، خرجوا منها كما دخلوا إليها علي مركبات البقر، وكانوا إذا فتحوا بلداً عمروا فيه ثكنة أولاً وجامعاً ثانياً، أما المدرسة فلا تعمر إلا بعد سنين طويلة وبدواع كثيرة، يعمرها بعض نبهاء عمالهم علي الأكثر بالسخرة وأموال المظالم والمغارم.
الثكنة والمسجد أثر الأتراك في الأمة العربية، لازال سارياً وفاعلاً ومنتقماً، وترتب عليه السبب الثاني، الذي أجمع كل المفكرين علي أنه من الأسباب الرئيسية لسقوط العرب وهو ظهور الجماعات التي تدعي لنفسها حماية الإسلام، وما اصطلح علي تسميته بالإسلام السياسي، كما وضع ذلك التقسيم السمج حسن البنا في رسائله حين قال: “والفرق بيننا وبين قومنا، بعد اتفاقنا في الإيمان، أنه عندهم مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا علي حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه، علي حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين” وهي الفكرة التي ألهمت سيد قطب مقولة تكفير المجتمع، فالمجتمع إيمانه جاهلي والإخوان هم أصحاب العقيدة الصحيحة، ومن الإخوان تكاثرت كالفطر جماعات أممت الله لنفسها، وأخرجت الآخرين من رحمته، مع أنه يبتسم هناك كما يبتسم هنا، وفي كل مكان آخر.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]