تجديد الخطاب الديني «تونس.. الطاهر الحداد: ضد تجارة السلفيين بالأنثى»

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

فى العالم العربى، بشرقه وغربه، لا يصح القول: ما أشبه الليلة بالبارحة، بل إن الليلة هى البارحة، بريحها وسمومها، وجهلها واستمراء تخلفها، فحين كتب الطاهر الحداد كتابه:«امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» وصدر فى عام 1930، هوجم من العلماء، وأشباه العلماء، ومن العامة، وكتاب الصحف فكانت العناوين التى تسبه وتكفره من عينة:«الحداد على امرأة الحداد» للشيخ محمد الصالح بن مراد، و«سيف الحق على من لا يرى الحق» للشيخ عمر البرى المدنى، الذى أدهشنى بشكل مفزع أن أحد كبار العلماء المعدودين فى ذلك الوقت والذى يعد من علماء الأمة وهو العلامة الطاهر بن عاشور، رأس لجنة من العلماء، قامت بتكفير الطاهر الحداد، وطالبت السلطات هناك بمصادرة الكتاب، ولو تأملت عناوين الصحف التى هاجمت الحداد، وقتها لربما تذكرت عناوين الصحف اليوم، التى تهاجم أى داع للخروج من حالة التخلف التى عليها المسلمون الآن، أو أى داع لتطوير مناهج الأزهر، أو تجديد الفكر الدينى الذى ليس هو الدين، جاءت عناوين الصحف كالتالى: حول زندقة الحداد، وموقف الصحف العربية حول نازلة الطاهر الحداد، وخرافة السفور وأين يصل غرور الملحدين، شىء من هذا القبيل جرى مع قاسم أمين فى مصر، الذى سبق الحداد بكتابية، تحرير المرأة والمرأة الجديدة، وكلاهما الحداد وقاسم أمين، انطلق فى دعوته إلى إعادة حق المرأة، ومعاملتها معاملة لائقة وإنسانية استنادا على نصوص إسلامية ومحاولة إزالة الظرف الاجتماعى، المحمل على الفقه القديم، وأن ما يناسب بيئة ما، قد لا يتفق مع بيئة أخرى، ولم يطعن أحد من دعاة تحرير المرأة فى نصوص ثابتة قطعية، والطاهر الحداد نفسه دارس للشريعة، والفقه الإسلامى فى جامع الزيتونة، وكل ما قال به إنه لم يرد فى القرآن ما يفرض الحجاب الذى يغطى كامل الجسد، الذى هو الآن النقاب والإسدال، وكأننا نكصنا إلى ما قبل أكثر من مائة عام، وأن كل ما جرى من محاولات تطوير الفقه الإسلامى، والفكر الإسلامى ذهب أدراج الرياح، لكن الجدير بالذكر أيضا، أن إسهامات قاسم أمين، والطاهر الحداد، والأمير شكيب أرسلان، ومحمد عبده، وغيرهم بقيت، ومات كل من قال بتكفيرهم واختفى ذكره من الحياة، ومن الثقافة، فالطاهر الحداد، لا يزال يستعاد ولا يزال كتابه «امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» يطبع كل عام تقريبا، فى بلد عربى، أو آخر.

«امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» أشهر ما كتب الحداد، واختص بزاوية مهمة من زوايا النهضة العربية، التى كانت تشتعل كالنار فى الهشيم فى بدايات القرن العشرين، فى مصر، والعراق، ولبنان، وتونس والجزائر والمغرب، والسودان، فالطاهر الحداد يطور وضع المرأة التونسية، ومن ثم العربية، بهذا الكتاب التأسيسى، وعلى بن الرازق، ينسف مفهوم الخلافة فى مصر، التى كان يريد الملك فؤاد إقرارها بكتاب الإسلام وأصول الحكم، لكن أفكار على عبد الرازق، وإن ظلت حبيسة كتابه، فإن الثقافة المصرية حولتها إلى قضية عامة للنقاش، ونقطة ارتكاز فى تطوير المجتمع المصرى وثقافته، وحكوماته، ونضاله من أجل الدستور، وأفكار الطاهر الحداد تحولت إلى قانون نافذ يطبق على مواطنى تونس، حيث صدر بهذه الأفكار قانون الأحوال الشخصية فى تونس عام 1957م تضمن أهم أفكار الطاهر الحداد مثل: الإقرار بأهلية المرأة لتزويج نفسها مما يستحيل معه منعها من الزواج، أو تزويجها دون رضاها، وكذلك منع تعدد الزوجات إذعانا للشرط الإلهى بوجوب العدل واحتراما للجزم الإلهى باستحالته وسعيا لضمان استقرار الأسرة، وثالثا إقرار الطلاق القضائى حتى لا تطلق يد الرجل فى التطليق مع إقرار إجراءات مصالحة قضائية، وآجال تفكير، وذلك فى ثلاث حالات: التراضى بين الطرفين، ثم الضرر الواقع على أحدهما، وأخيرا طلب أحدهما التطليق من القاضى، وفى هذه الحالة على طالب الطلاق دفع الغرامة للطرف الثانى.

كل هذه الأفكار، وغيرها الكثير، تضمنه كتاب الطاهر الحداد:«امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» الذى يشتمل على قسمين أساسيين الأول تشريعى والثانى اجتماعى، ففى القسم التشريعى، يرى الحداد أن الحقوق التى أعطاها الإسلام للمرأة لم تعد تتمتع بها وتمارسها بنفس الدرجة والمستوى اللذين وضع الإسلام المرأة فيهما، وأن الإسلام حينما شرع هذه الحقوق للمرأة لم يكن يريد أو يقصد أن يقف عندها، وإنما كانت غايته أن يمهد بها إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة، ولكن المسلمين بسبب ظروفهم التاريخية فيما بعد قد وقفوا فى طريق التطور، بل أرجعوا المرأة إلى الوراء، ومن أجزاء القسم التشريعى أيضا: الاعتبار الذاتى للمرأة، حيث خصص القرآن لها سورة طويلة باسمها «النساء» وذكرها فى آيات وسور متعددة، مبينا حقوقها، وواجباتها، وسواها فى ذلك بالرجل.

ثم حقوق المرأة المدنية، ومن هذه الحقوق التى يثبتها الحداد، حق الشهادة والقضاء، وقد اعترف لها الإسلام بذلك، وأفتى الإمام أبو حنيفة النعمان بجواز تولى المرأة القضاء، وقال الحداد إنه يستحيل أن يفتى أحد الأئمة الأعلام بهذا الأمر، وهو غير مقبول فى الإسلام، خصوصا أن الإمام أبا حنيفة كان قريب العهد بالصحابة، فلا يتصور أن يصرح بشىء يخالف الشريعة، أو يجتهد بما يناقض جوهر الدين وأصوله وأخيرا بقى فى القسم التشريعى من الكتاب مسألتان هما: أهلية التصرف، ومسائل الزواج، ففى أهلية التصرف قرر الإسلام للمرأة أهلية تخول لها حق التملك الشخصى، سواء عن طريق الميراث أو العمل كالرجل، كما جاء فى قوله تعالى:«للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن» أما مسائل الزواج، فقد أصر الطاهر الحداد على مجموعة من النقاط منها: حرية الاختيار بالنسبة للزوجين، ورفض تعدد الزوجات، وعدم تضرر أحد الزوجين من الزواج.

أما القسم الاجتماعى، فتحدث الحداد عن كيفية تثقيف المرأة لكى تكون زوجة وأما صالحة، وقسم هذا التثقيف إلى: صناعية ومنزلية وعقلية وأخلاقية، وزوجية وصحية، ووضع الحداد مخططا تعليميا، يستهدف تربية الروح الدينية فى المرأة المسلمة وتهذيب ذوقها وتكوين عقلها وتدريبه على الصواب، وتنشيطه بالألعاب الرياضية، وبقيت مسألة الحجاب والسفور، هى أجرأ آراء الحداد فى كتاب «امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» حيث رأى أن سفور المرأة ضرورة لخروج المرأة من ظلمات عصور التخلف إلى نور التمدين الصحيح، إلا أن السفور عنده لا يعنى الخروج عن حدود اللياقة والأدب، وكشف الجسم والتجميل والتزين وإثارة الشهوات وحمل الأنظار على الاهتمام والتتبع، بل السفور وسيلة لتطوير المرأة المسلمة وإعدادها الإعداد اللائق الذى أشار إليه الإسلام وحدد إطاره ولاحظ أننا نتكلم عن سنة 1930م، وكانت تلك الأفكار تعد ثورة فكرية فى مجتمعها كما جرى مع قاسم أمين فى مصر، ومما قال الطاهر فى الحجاب.

ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعا للفجور، بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كى لا تعض المارين، وما أقبح ما نوحى به إلى قلب الفتاة وضميرها إذ نعلن اتهامها وعدم الثقة إلا فى الحواجز المادية التى نقيمها عليها، ونلزمها هى الأخرى أيضا أن تقتنع بما قررنا راضية بضعفها إلى هذا الحد، موقنة بخلوده الآتى من أصل تكوينها، وليس عند هذا الحد وقفنا، بل قد كان هذا النوع من الحجاب رخصة لخروجها من منزلها تقدر بقدر الضرورة الموجبة للخروج كموت الأقارب ومرضهم وما أشبه ذلك فى الأهمية، ولو أننا كنا نتأمل مليا نتائج هذا الضعف الذى نغذيها به فى حياتها وحياة المنزل وأبنائها والعائلة والشعب جميعا لأدركنا جليا أننا نهيىء شقاءنا وشقاء بيوتنا بأنفسنا.

ويرى الطاهر الحداد أن الحجاب عادة فى المدن والقرى، أما باديتنا على العموم فهى سافرة على الفطرة غير أننى كلما فكرت فى الحجاب لا أرى فيه إلا أنانيتنا المحجبة بالشعور الدينى كحصن تعتز له على المخالفين، لاسيما إذا رأينا أن هذا الشعور يتضاءل حتى يكاد يفنى فيما لا يتعلق به غرضنا وهوانا ويكفينا أن ننظر إلى زنى الرجل والمرأة كيف يعتبر منه جرأة واقتدارا ومنها سبته وعارا.

ثم يذهب الطاهر الحداد إلى مسألة اجتماعية تترتب على حجاب المرأة ولها أثارها النفسية على الرجل والمرأة معا:«إن الحجاب قد أوجد للرجال حياة خاصة خارج المنزل لا تعرفها النساء» و«إن حجاب المرأة من الرجل لم يمنع اتجاهما إلى جهات أخرى بتأثير العامل الطبيعى، بل قد كان من أهم العوامل فى انتشار اللواط والمساحقة والعادة السرية، وهذه مسائل معروفة منذ القدم، فقد دون لها فقهاء الإسلام أحكاما فى الفقه وأباتوا بذلك عن انتشارها فى عصورهم المتوالية إلى اليوم» ولا تنسى مرة ثالثة أننا فى عام 1930م.

أما عن السفور وكونه سببا للفجور، فيرى الطاهر الحداد:«نحن إذا رجعنا لأهم مثالب السفور عند أعدائه رأينا أنهم يعتبرونه مصدرا هائلا لانتشار الفجور، فتحه علينا اختلاطنا بالأوروبيين، بيد أن الفجور ليس أثرا يتولد عن الوجود السافرة وإنما هو أثر من آثار العوامل النفسية التى ليس من المعقول ولا من الحق أن نتجنب الحديث عنها عند كلامنا عن السفور، فإذا كنا نريد حقيقة طهارة المرأة ونطلبها طلبا صادقا ومنتجا فلنقاوم فجور الرجل، فنتجنب حوادث الغيرة التى ينكسر بها قلب المرأة بتجنب الزنى واللواط وتعدد الزوجات والزواج بالإكراه، وإطلاق يد الرجل بالطلاق دون حد أو رقابة عليه، فالمتذوقون لأصناف النساء والفارون من بيوتهم لعجز أو سوء استعداد للحياة الزوجية والمطلقون لأزواجهم بمحض الشهوة دون رضاهن وحتى دون علمهن أحيانا والمتاجرون بتزويج منظوراتهم والأغبياء الذين لا يفقهون السداد فى تزويج بناتهم ممن يشتهون هؤلاء وأشباههم كثيرون جدا بيننا ويا للأسف.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]