تجديد الخطاب الديني.. «المغرب.. عبد الله العروى: التراث هو الحجيم»
كتب – مصطفي عبادة – الأهرام العربي.
الدفاع عن الحداثة وتأجيلها انطلاقا من الدفاع عن الفكر التاريخى استيعاب منجزات البشرية، هو الخطوة الضرورية لخلق مشروع نهضوى عربى يتجاوز شتى وجوه التأخر الشامل الذى يتهم به العالم العربى والإسلامى بمشرقه ومغربه، ذلك هو جوهر المشروع الفكرى الأصيل للمفكر المغربى عبد الله العروى، والذى تجلى فى كتابه المهم «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» فتطوير الثقافة العربية، لا يمكن أن يتم دون دمجها فى الثقافة العالمية، لأن المشروع الثقافى الغربى ليس مجرد مشروع استعمارى أو غزو، ليس بالمعنى التلفيقى، أو الوقوع فى فخ ثنائية المعاصرة والتراث، كما شاعت لدى أغلب مفكرى ومثقفى الأمة العربية على مدار القرن العشرين كله، بل بالانخراط فيه وعدم الخوف من الثقافة العالمية، حتى لو كنا لم نسهم فى صنعها، بل نحن بالاندماج فيها مطالبون باستيعابها لنتمكن من غرس وبناء قيم الحداثة الفعلية، بدلا من الاكتفاء بالنسخ المقلد الذى يجعلنا معاصرين فى الظاهر، دون أن نتمكن من إدراك المسافات الزمنية والعقلية الكبيرة التى تفصلنا عن العالم الحديث.
وسواء فى «الأيديولوجيا العربية المعاصرة»، أم «مفهوم العقل» كان عبد الله العروى يرسخ نقطة مركزية هى «القطيعة مع التراث العربى القديم»، الذى كان نتاجا طبيعيا ومنطقيا لواقع اجتماعى أفرزه وانتهى، والتمسك بهذا الإفراز التاريخى يعنى استجلاب الواقع الاجتماعى الذى جرى فيه، لكن المستقبل، وضع الأمة العربية فيه شأن آخر، لابد أن يقطع مع هذا التراث قطيعة تامة، والنهضة العربية مرهونة بتحول المجتمعات العربية إلى حالة الحداثة، أى اعتناق الفكر الغربى بمقولاته الأساسية، وهى: العقلانية والتقدم والنقد ومسئولية الإنسان عن نفسه على المستوى النظرى، والعلمانية والنظام الماركسى والدولة المركزية على المستوى العملى.
ولكى لا يساء فهم مصطلح القطيعة المعرفية مع التراث، يوضح د. عبد الله العروى أنها تعنى القطع مع الأساليب والمناهج العقلية للبحث الفكرى التى استخدمت فى التراث العربى والإسلامى، يقول د. عبد الله العروى: حاولت فى كل ما كتبت أن أوضح الوضيعة التاريخية التى نعيشها والتى لا نستطيع أن ننفيها، وتجعل من كل أحكامنا على حالات خاصة أقوالا هادفة، مصلحية تبريرية، لا فائدة فى الحكم عليها بأنها حق أو باطل، بالنسبة لأى مقياس.. إذا اتضح أن عهد التقرير «أعلم أن» قد انتهى بانحلال قاعدته المادية والاجتماعية والفكرية، وكذلك عهد منطق المناظرة، إذا أورد كذا فالجواب كذا، يتضح عندئذ أنه لم يعد هناك بداهة (فكرة) جاهزة أو ضرورة منطقية يركن إليها الجميع تلقائيا وتتماسك بها الأفكار ولابد من امتلاك بداهة جديدة، وهذا لا يكون إلا بالقفز فوق حاجز معرفى، حاجز تراكم المعلومات التقليدية، لا يفيد فيها أبدا النقد الجزئى بل ما يفيد هو طى الصفحة.
عبد الله العروى هو أكثر المفكرين العرب صراحة ووضوحا فى موقفه من التراث العربى، وتجديد خطاباته على كل المستويات، فهو لا يرى فيه أية فائدة، خصوصا الفكر الفلسفى القائم على المناظرة واليقين، وعلى وصف سلوك وأفكار مجتمعات يمثل أى جديد بالنسبة لها بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولكى يتم ذلك فى رأى عبد الله العروى لابد من إقامة الدولة الحديثة، إذ لا معنى بالنسبة له أن يتم تحقيق تحولات جزئية فى مبادىء الحداثة الأخرى مثل الديمقراطية والليبرالية، والمجتمع المدنى، إلا بعد إقامة الدولة الحديثة، والدولة الحديثة لكى تنشأ فى رأى العروى، لابد أن يكون العنصر الاقتصادى هو الحاكم فيها أى أن يعتمد بوضوح النظرية الماركسية ودون موارثة، حيث يقول بوضوح: الكثيرون يستشهدون بماركس، ولكن لأهداف سياسية فقط، إن ماركس النافع هو ملخص ومؤول ومنظر الفكر الأوروبى العام الذى يمثل الحداثة بكل مظاهرها، والأفضل لنا نحن العرب فى وضعنا الثقافى الحالى أن نأخذ من ماركس معلما ومرشدا نحو العلم والثقافة من أن نأخذه كزعيم سياسى.