تجديد الخطاب الديني.. «الفقه المغلق.. أعشاب ضارة وبيزنس»

كتب – مصطفي عبادة – الأهرام العربي.

تراث واحد أم عدة تراثات، تراث السلوك أم تراث الفكرة والعقل؟ وهل كل ما ترك العرب القدامي يعتبر من التراث الذي لا ينبغي الاقتراب منه؟ تراث الجزيرة العربية أم تراث الدول المفتوحة؟
تراث السلوك هو المتعلق بجانب الفقه في التاريخ الإسلامي، وهو ما اجتهد فيه الفقهاء علي مر الزمان! وصار اجتهادهم تراثاً متراكماً يناقض بعضه بعضاً، وتعدد فيه المذاهب، بما يعني أن كل رجل من الفقهاء أبدي فيه رأيه، وكما قال الإمام الصايغي: “هم رجال ونحن رجال، “لهم عقول ولنا عقول”، فهل يلزمنا اجتهاد كل هؤلاء، هم اجتهدوا لزمنهم ولزمننا اجتهادات أخري مسكوت عنها، ولا يقترب منها أحد، لعصرنا مقتضيات ومستجدات لم تكن موجودة قبل غلق باب الاجتهاد، فهل نطبق عليها اجتهادات قرون مضت، في فقه الطهارة مثلاً هناك ثوابت لا يمكن الاختلاف عليها، وفي فقه الصلاة، وفي فقه النساء، فما القول في فقه تراث الحروب التي كانت عدتها الناقة والجمل والسيف.
المعركة كلها تدور، والمعارك التي دارت قبل ذلك،كلها تعلقت بفقه السلوك، السلوك القديم وأهملنا تراث العقل العربي، وقفنا عند المذاهب الأربعة الفقهية المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي، وشروحها وفنونها، وشرح وشروحها وآراء الرجال فيها علي مدي 1400 سنة، ولم نتحدث عن الفارابي، والحسن بن الهيثم، وابن رشد، وأبي حيان التوحيدي، وأبي بكر الرازي، وابن النفيس، والحسن البصري، مكتشف حدقة العين، وأبي جعفر المنصور، مكتشف الصفر والأرقام، ويعقوب بن إسحاق الكندي ابن الكوفة العراقي، الذي اهتم بالعديد من المجالات مثل الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والطب والموسيقي، والذي كان له دور كبير في نشر النظام الهندي للترقيم في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، كما كان مبدعاً في مجال التشفير، وله الفضل في تطوير طرق فك الشفرات، وأول من وضع قواعد للموسيقي في العالم العربي، وقام بإضافة الوتر الخامس إلي العود، وأول من أدخل كلمة موسيقي إلي اللغة العربية.
وهناك أيضاً غير فقهاء الطهارة والنفاس والحيض، محمد الغازاوي عالم الرياضيات والفلك الذي ترجم التراث الهندي في الفلك والرياضيات ومخترع أول اسطرلاب في العالم الإسلامي، وكذلك حنين بن إسحاق الذي ترجم أعمال جالنيوس وأبقراط وأرسطو والعهد القديم من اليونانية إلي العربية، وله كتاب “المقالات العشر في العين”، وهو أقدم كتاب مؤلف في طب العيون بطريقة علمية، وهناك ابن البناء المراكشي عالم الرياضيات والطب، وهو صاحب توضيح النظريات العميقة والقواعد المستعصية في الحساب، وقام بالعديد من الأبحاث عن الكسور، كما وضع قواعد لجمع مربعات ومكعبات الأعداد، صاحب كتاب “تلخيص أعمال الحساب” هل نضيف أيضاً أبو إسحاق البطروجي الذي طور نظرية عن حركة الكواكب، وهو صاحب كتاب “الهيئة” الذي وضع فيه نظرياته الفلكية، وابن ما سفريه الطبيب، أول من أنشأ كلية لدراسة الطب في العالم الإسلامي، وأول من شخص مرصد الجذام، وأول إسهام لعالم عربي في الطب النفسي كان له، وأخيراً العالم المصري أبوكامل شجاع، أول من شرح المعادلات الجبرية بشكل واضح، ووضع كل كلمة في كتاب “الوصايا في الجبر والمقابلة”.
أليس كل هؤلاء وغيرهم من التراث العربي الذي يطالب البعض بمحوه، وإلقائه في القمامة، فقط لأن أعينهم لم تر سوي سلوك الناس في العصور القدامي، وهم بشر يخطئون، وأولوا الدين وفق مقتضيات زمانهم، الذي هو سبب تخلفنا، نعم التمسك بهذا التراث، بهذا الفرع من التراث هو سبب جهلنا بعقلنا العربي، وسبب تخلفنا، فلماذا الوقوف عنده وحده، وليس مد البصر إلي عقولنا وتطوير منتجها، الذين إذا أضفت إلي عقولهم، عقول الأدباء والنقاد والشعراء في العصور القديمة، لأصبح لك ماض مشرف، لو عرفته، لدينا في التراث القديم الأدبي محمد بن قتبة الدينوري، صاحب الشعر والشعراء، وابن فنيبة المؤرخ، ومحمد بن سلام الحجمحي، الذي وضع أول تصنيف للشعراء، حسب طبقتهم في الإجادة لفن الشعر، والجاحظ العالم الموسوعي، وعلماء الكلام والفلسفة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وأبو الهذيل العلاف، والنظام، والقاضي عبدالجبار، وصولاً إلي رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ومحمد مصطفي المراغي، ومحمد فريد وجدي وعلي عبدالرازق وغيرهم.
مشكلة التعامل مع التراث، وتجديد الخطاب الفقهي، ربما هي الحلقة الأضعف التي يدخل منها العدو لهزيمة المسلمين أنفسهم، ووضعهم في خانة المتخلف والجاهل، فماذا يقول المسلم الحديث عندما يري السلفيين مشغولين بجواز وطء المرأة من دبرها، وطبخ رأس العدو في قدر وأكلها، وجواز زواج الفتاة الصغيرة “إذا كانت ممتلئة الجسم تطبق الفحل” وغيرها وغيرها من الضلالات التي مارسها رجال مضي زمنهم، وكان ظرفهم الاجتماعي يسمح بها، وكانت عاداتهم وتقاليدهم تقرها، تثار هذه المسائل ليظهر الغرب في صورة المتحضر النظيف، صاحب حرية الاختيار والمخترع ومالك التكنولوجيا، ويظهر هذا الجزء من العالم علي أنه يغط في وحل الضلال وصغائر الأمور، بما يجوز معه احتلاله وغزوه وتقسيمه، ولا تتصور أن هذه المسائل تثار الآن وفقط، أو أنها بنت دعوي تجديد الخطاب الديني، فهي مثارة منذ قرن كامل ويزيد، منذ محمد عبده، ومحمد كرد علي في مصر، وبعدهم الشيخ محمد أبوزهرة، والدكتور محمد غلاب، الذي كتب “هذا هو الإسلام”، مروراًَ بحسن حنفي ونصر حامد أبوزيد، ومحمد أحمد خلف الله، وعلي مبروك، وفي الجزائر محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وفي تونس الطاهر حداد، صاحب “امرأتنا في الشريعة والقانون”، وفي المغرب عبدالله العروي، ومن لبنان حسين مروة ومهدي كامل، وفي سوريا الطيب تيزيني، وفي العراق جواد علي، وعلي الوردي، وعشرات بامتداد العالم العربي، هو هم عربي شامل إذن، وليس شأناً مصرياً، لكن ظروف الدول الأخري الاقتصادية شغلتها عن منافسة وطرح السفاسف، وظروفنا وإهابنا دفعنا للغرق في هذا المستنقع الذي لا أول له ولا آخر، ولن يكون له أول ولا آخر، أنفقنا القرن العشرين كله في مناقشة هذه القضايا، فيما كان الأعداء يقضمون وطننا جزءاً جزءاً، ويخربون عقولنا جزءاً جزءاً، ويخطفون النابهين منا بالجملة والقطاعي، ويستنزفون أموال العرب في شراء اختراعاتهم وأسلحتهم لنقتل بها بعضنا البعض، فثقافتنا كما قال نصر أبوزيد: تعبد النصوص إذ يكفي أن تقول قال فلان حتي يتوقف العقل، ويبدو أننا سننفق القرن الحادي والعشرين في مناقشة القضايا نفسها لنخرج الخروج النهائي من التاريخ، ونعوي في الصحراء بلا مأوي.

الصورة الرئيسية – كاريكاتير أنور من صحيفة المصري اليوم

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]