تجديد الخطاب الديني السودان.. محمود محمد طه: الإسلام المستقبلى خارج الجماعات

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

العاشرة من صباح يوم الجمعة 18يناير سنة 1985م، أعدم المفكر السودانى محمود محمد طه، المفكر الذى كان يدافع عن الإسلام، أعدمه نظام جعفر نميرى بدعوى أنه مرتد، محمود محمد طه الذى وضع مشروع «نحو مشروع مستقبلى للإسلام» مرتد، وجعفر نميرى، يدافع عن الشريعة، الشريعة التى باسمها قهر الشعب السودانى، ونكل به لكن الابتسامة التى علت وجه المفكر على منصة الإعدام، وهو ينظر إلى جموع المتفرجين السلبية، بقيت تدين كل من يتحدث باسم الإسلام، وكل من يدعى أنه الأعرف بمراد الله، ومن يعرف وحده «مراد الله» يكون شريكا له والرسول يقول:«إذا رأيتم الرجل يقول قال الله وقال الرسول، فاحثوا التراب فى وجهه».

سألت المحكمة التى أعدمت محمود محمد طه سؤالا له عن رأيه فى قوانين سبتمبر، التى سيطبق بمقتضاها النميرى أحكام الشريعة فرد ردا سريعا حكيما، إنها قوانين مخالفة للشريعة وللإسلام وأن هذه التجربة شوهت الإسلام، ونفرت الناس منه، وأن هذه القوانين قد وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، المدهش أن السلطة التى أعدمت محمود طه، سقطت بعد ثلاثة أشهر فى السادس من إبريل عام 1985م، وفى نوفمبر من العام الذى يليه أسقطت المحكمة العليا حكمها بإبطال حكم إعدام محمود طه، لكنه كان قد أعدم، وكأن الحجر الذى أباه البناءون، أصبح حجر الزاوية كما قال المسيح.

مشروع محمود محمد طه لتجديد الفكر الإسلامى نحو مشروع مستقبلى للإسلام تمثل فى ثلاثة أعمال أساسية هى: الرسالة الثانية من الإسلام، ورسالة الصلاة، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية، وفيها يقدم الإسلام كدين عالمى لا تنفصل فيه الدولة عن الدين، لكن من غير تغول على حقوق الأفراد، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، رجالا كانوا أم نساء، ولم يقدم الإسلام بوصفه طريقة للسلوك أو منهاج للخلاص الفردى، غير مرتبط بقضايا التحولات الاجتماعية (كما هى الحال فى التصوف) قدم محمود محمد طه ذلك كله من خلال منهج متماسك لتأويل النص القرآنى، من خلال تصور جدلى عميق لمواد النص مع حركة التطور بمعنى أن النص لا يكشف عن طبقاته بغير النظر الفاحص لحركة التطور، الزمن وحركة الحياة فى كل صورها، فحركة التطور لا تخضع لفهم ثابت جامد للنص وإنما تجليات الحياة هى التى توسع من فضاء النص، وهو يتمدد عبر علاقته الجدلية بالواقع، وبتمدد آفاق الوعى الإنسانى.

يوضح الكاتب أحمد زكى عثمان مشروع محمود محمد طه فى الرسالة الثانية من الإسلام، بأنه يمثل لحظة مهمة على الصعيد الفكرى فى العالم العربى، حيث يمكن قراءة هذا الكتاب فى سياق جملة الكتب التى أرخت لدور الفكر فى التمهيد الهزيمة السياسية والعسكرية ومن ثم الفكرية التى أفضت إلى نكسة 1967مثل كتابى نقد الفكر الدينى لصادق جلال العظيم، والأيديولوجية العربية المعاصرة لعبد الله العروى، كما يمكن قراءته على أنه بحث فى أصول الفقه ومحاولة بناء منظور حضارى جديد ورؤية فلسفية مختلفة عن التقاليد الفكرية المسيطرة فى العالم العربى.

قدم هذا الكتاب طرحا لم يألفه الفكر العربى كثيرا، وهذا الطرح يتعلق بتقديم تصور مختلف لموقع الفرد فى منظومة العلاقات الاجتماعية عند طه الفرد فى الإسلام هو الغاية وكل ما عداه وسيلة إليه، وهذه الفردية هى مدار التكليف والتشريف وبالطبع ستحيل هذه الرؤية إلى محاولة فك التناقض ما بين الفرد والجماعة والتى يقدمها طه كالتالى، حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة امتداد لحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، ومن الناحية الفقهية فالفرد هو العبادات، والجماعة هى المعاملات وينتهى طه إلى تقديم محتوى أخلاقى لهذا المنظور الفلسفى، وهو أنه ليست للعبادة قيمة إن لم تنعكس فى معاملتك الجماعة معاملة، تعد هى فى حد ذاتها عبادة، يمضى الكتاب فى مناقشة القضايا المتعلقة بعلاقة الفرد والجماعة وحدود إرادة الفرد، حتى يصل إلى فصله الخامس والذى يعرض فيه للرسالة الأولى والتى هى رسالة المؤمنين، حيث أورد طه مجموعة من النتائج الفقهية الخطيرة، وقدم حصرا لثمانية قضايا رأى أنها ليست أصولا فى الإسلام، هذه القضايا هى الجهاد، الرق، الرأسمالية، عدم المساواة بين الرجال والنساء، تعدد الزوجات، الطلاق، الحجاب، المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه.

دعا الأستاذ محمود إلى الإسلام كمذهبية تبشر بتحقيق إنسانية الإنسان، عن طريق تقديم المنهاج الذى يحقق السلام فى كل نفس بشرية، وعلى مستوى الكوكب، حيث يقدم الإسلام فى مستواه العلمى كدعوة عالمية للسلام، وقد ظلت قضايا الفكر.

والحرية والاستقراء العلمى للحضارة الغربية ولواقع المسلمين قضايا مطروحة بإلحاح على جدول محمود محمد طه حتى إعدامه.

وكان موضوع المرأة من أهم المواضيع التى عالجها الأستاذ محمود فى فكره، حيث دعا إلى تطوير التشريع فيما يختص بشريعة الأحوال الشخصية، وإلى وضع المرأة من حيث التشريع فى موضعها الصحيح، بعد أن تعلمت وشغلت الوظائف الرفيعة، متجاوزا بتلك القصور الفكرى الذى ظل ملازما للفكر الإسلامى السلفى تجاه وضع المرأة فى التشريع الدينى، ومتجاوزا دعوات تحرير المرأة التى هدفت لمحاكاة الغرب، ومقدما فهما جديدا مستمدا من أصول الدين، يقوم على مساواة الرجال والنساء أمام القانون وفى النظام الاجتماعى، انطلاقا من فكرة تطوير التشريع الإسلامى، واستلهاما أكبر لغرض الدين فى الحياة الحرة الكريمة للنساء والرجال على قدم المساواة، وقد كان أكبر تجسيد لدعوة الأستاذ محمود إلى تطوير وضع المرأة الدينى هو المرأة الجمهورية نفسها، فقد دخلت تلميذات الأستاذ محمود من الجمهوريات التاريخ كأول طليعة من النساء تخرج للدعوة إلى الدين بصورة جماعية ومنظمة، فى ظاهرة فريدة ظللتها قوة الفكر وسداد السيرة وسمو الخلق.

ولكى يضمن محمود محمد طه لفكرته الانتشار أسس حركة التأليف، والنشر ومنابر الحوار، وأركان النقاش التى تقام فى الطرقات العامة والميادين والحدائق ودور العلم والأحياء، ثورة فكرية لم يعرف لها مثيل فى تاريخ الأديان والأفكار، حيث حمل هو وتلاميذه الفكرة إلى كل مكان ناء من السودان يذهبون إلى الشعب، حيث يعيش، يحدثونه عن الدين ويحاورنه وينقلون له النموذج الحى للإسلام المسجد الذى يمشى على قدمين وقد كانت حركة الحوار الفكرى هذه معالم بارزة فى حياة الشعب السودانى، حيث كانت كثير من أركان النقاش فى الجامعات، وفى الطرقات والأماكن العامة مدارس تعلم فيها الشعب أدب الحوار وأدب الدعوة إلى الدين، وقد كان أساليب الدعوة الفريدة حملات الدعوة الخاصة، حيث كان الجمهوريون يذهبون إلى لقاء المثقفين ورجال الدين والمفكرين فى مقابلات خاصة يتم فيها الحوار الفكرى وتعرض الدعوة إلى الرسالة الثانية من الإسلام وتقدم لهم فيها نسخا من كتب الفكرة الجمهورية.

كان شعار ثورة التغيير التى قادها محمود محمد طه هو الكلمة (لا إله إلا الله) بعد أن رفعها الأستاذ محمود فى دعوته الجديدة إلى الأستاذ محمود من التحقيق جعلها منهاجا لتغيير النفوس، وقد قامت هذه الحركة الشاملة فى مداها والمنضبطة فى أدائها، والفاعلة فى تأثيرها على موارد الجمهوريين الذاتية، والتى يقتطعونها من دخولهم الشخصية، وعلى العمل التطوعى الذى يكرس له الأعضاء إجازاتهم وأوقات راحتهم، وعلى ريع الكتب التى يوزعونها بعد أن يقوموا بطباعتها يدويا، فكانت بذلك ثورة شاملة فى معناها ومبناها، وإرهاصا كبيرا بالثورة الثقافية المنتظرة والتى تعيد صياغة الأفراد والجماعات.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]