تجديد الخطاب الديني «مصر.. علي مبروك: التحرر من سلطة المعرفة المعلبة»

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

ارتكب د. علي مبروك، في عرف الجامعة المصرية العريقة، حماقة التفكير في وقت كان مثله الأعلي تامر حسني، ومحمد أبوتريكة، فخرج من الجامعة مطروداً، بعد إحالته للتحقيق، وذهب إلي جامعة كيب تاون زميلاً لروائي نوبل “ج.م. كويتسي” ومن هناك أرسلته جامعة كيب تاون، تقديراً لعلمه، إلي مالي جنوب الصحراء، لفهرسة المخطوطات العربية، الرجل الذي نصحه حسني حنفي بالصمت وتجاوز الأزمة، لم يصمت، وظل يؤلف الكتب ويفضح طريقة تفكير المسلمين وبالتحديد نخبتهم سلفية وعلمانية، وكيف أن الجميع يفكر بطريقة سلفية: الليبرالي والإخواني والعسكري، وفي رأيه أن مفهوم السلفية أوسع من المفهوم المتداول الذي يقف بالسلفية عند حدودها الدينية فقط، وتصبح حينها دالة علي فريق ديني بعينه، إنما هي فيما يتصور، وبنص كلامه: تشمل العلماني أيضاً، كيف؟ ذلك أن كلا الفريقين يفكر بالطريقة نفسها وهو تفكير غاية في البساطة، وهو أن هناك واقعاً ينهار، وأنه لا يمكن التصدي لهذا الانهيار من داخل الواقع نفسه، ولهذا فإنه ليس أمامنا إلا القفز إلي لحظة فاصلة ما، هي عند السلفي لحظة السلف الصالح، أي بالرجوع إلي الماضي، وعند العلماني الخلف الصالح، وكلا الفريقين يتجاهل الواقع، ولا يضعه في الاعتبار، وكلا الفريقين يلقي باللائمة علي الجماهير الغافلة.

تمثل مشروع علي مبروك في مجموعة من الإسهامات بالغة الأهمية، بالغة الانضابط العلمي المنهجي مثل كتبه: “النبوة، والإمامة، والحداثة بين الباشا والجنرال، والدين والدولة في مصر، هل من خلاص، والخطاب السياسي الأشعري .. من إمام الحرمين إلي إمام العنف، والقرآن والشريعة .. صراعات المعني وارتحالات الدلالة، وأفكار مؤثمة .. من اللاهوتي إلي الإنساني” وغيرها.

في كل ذلك، وبهدوء شديد، يشخص د. علي مبروك أزمة تخلف من المسلمين بوقوعهم تحت هيمنة تراثين غربي وإسلامي، وأن الأزمة الحقيقية تتمثل “التفصيل” أي أن النبي هو أفضل الأمة، وبعده الخلفاء الأربعة، ثم من بعدهم العشرة المبشرون بالجنة….إلخ، أي أن هناك تصوراً للفضل، ننتقل فيه من الأفضل إلي الأقل فضلاً، وهذا يعكس تصوراً للزمان ينهار ويتدهور، ولا مجال أبداً للخروج من هذا الانهيار والتدهور إلا بالرجوع إلي لحظة الفضل الأولي، وللفكاك من هذا المأزق، ومن أجل خلق مشروع نهضة حقيقية يوضح د. علي مبروك مشروعه هكذا:

إذا كان العربي، والمسلم علي العموم، يعيش غربة مزدوجة عن عصره ووقوفه علي هامشه عاجزاً عن الإسهام الفاعل، وعن تراثه تحت سطوته،عاجزاً عنن الإمساك بجوهره الأصيل، فإن الأصل في تلك الغربة يكمن في عجزه عن إنتاج معرفة حقه ومنضبطة بهما، ويرتبط هذا العجز المعرفي بوقوع الوعي في قبضة أكوام من الإيديولوجيا التي لم تقدم له إلا ضروباً من المعرفة الاختزالية والمجتزأة بكل من التراث والحداثة معاً، ومن هنا ما يعكشه الواقع العربي الراهن من كسل ـ أو حتي فقر ـ معرفي، ينكشف عنه التعامل الحالي مع كل المفاهيم المتداولة في فضائه الصاخب، فإن تأملاً في جملة المفاهيم، التي انفتح باب الجدل حولها مع ثرات الربيع العربي، كالدولة المدنية والديمقراطية والمرجعية الدينية والعلمانية والسلف والإجماع الفقهي وغيرها، يكشف عن سطوة الإيديولوجيا علي هذا النقاش، وعلي النحو الذي انتهي إلي ما تعانيه تلك المفاهيم من الالتباس والتشويش، وهكذا، فإن متابعة للنقاش الدائر حول الديمقراطية، مثلاً، يكشف عن اختزالها في محض جوانبها الخارجية الإجرائية، برغم أن هذه الجوانب الإجرائية قد لا تؤدي في ظل سيادة القيم الأبوية السلطوية في الثقافة، إلا إلي تأييد حضور التسلط من تحت البراقع الديمقراطية.

ولعله يلزم الإلماح إلي أن مأزق الإيديولوجيا لا يقف، فحسب عند كونها تمثل قفصاً حديدياً لا يستطيع المحبوس داخله أن بمصر خارج حدوده الضيقة، بل ويتجاوز إلي ما يترتب علي ذلك التوجيه الصارم الذي تمارسه علي الوعي، من معرفة تفتقر إلي الدقةبسبب عدم مطابقتها للواقع، لأن معيار صحة مثل هذه المعرفة يتعلق بضرورة مطابقتها للواقع، لأن معيار صحة مثل هذه المعرفة يتعلق بضرورة مطابقتها مع تحديدات تلك الإيديولوجيا، وليس مع الواقع، وبالطبع فإن معرفة تفرضها الإيديولوجيا بجاهزيتها ودوجمائيتها وصرامتها، علي الواقع، لا يمكن أن تكونه، متصادمة معه فحسب، بل وصادمة له كذلك، ولعل ذلك يؤول إلي أن الانفلات المأمول للوعي من صدامه مع الغرب من جهة، ومع تراثه من جهة أخري، لا يكون ممكناً إلا بالتحرر من سطوة الإيديولوجيات المنغلقة، والانتقال إلي فضاء المعرفة المنفتحة.

وهكذا، فإن الأمر لا يتعلق بنقض أيديولوجيا قائمة لحساب أيديولوجيا أخري جاهزة كما يفعل الفرقاء علي سطح المشهد المصري الراهن، بقدر ما يتعلق بكشف ما تفرضه الأيديولوجيا، علي العموم، من تحديات تنسد معها آفاق المعرفة التي يتزايد الوعي بوجوب أن تكون منفتحة، علي نحو كامل، ولعله يلزم التأكيد علي أن مثل تلك المعرفة المنفتحة، وأعني بكل من الغرب والتراث معاً، ليست مطلوبة لذاتها، بل لما ستؤول إليه من فتح الباب أمام الوعي للحوار الجدي والمنتج معهما، وعلي النحو الذي يجعل منهما رصيداً للنهضة الحقة، وليس خصماً منها بحسب ما هو حاصل حتي الآن.

وهنا يلزم الوعي بأنه ليس ثمة من منهج جاهز لإنتاج مثل هذه المعرفة، بل إنها تكون موضوعاً لضرب من المراوحة الدائمة بين الذات وموضع معرفتها، والتي لا يكون مطلوباً فيها أن تنفتح تلك الذات علي موضوعها متحررة من أي أحكام مسبقة حوله فحسب، وبحيث تنصت له دون أن تفرض عليه أياً من قوالبها وتحديداتها الجاهزة، بل وأن تنفتح علي كل تجليات المنجز المنهجي المعاصر الذي لا يكف عن مراجعة ذاته، ومساءلة فروضه، علي نحو دائم، ولكن ضرورة تحرر الذات من أي رؤي أو فروض جاهزة لا يعني ـ أبداً ـ أن تكون خلواً من أي سؤال إذ الحق أنه إذا كان لا وجود لذات تملك الحد الأدني من الوعي من غير أن تكون مسكونة بأسئلة لحظتها، فإنه ليس ثمة من معرفة حقيقية، إلا وهي تنبثق كإجابات لأسئلة، وذلك علي شرط أن تتميز تلك الأسئلة بالأصالة، وعدم الاصطناع، إن ذلك يعني أن الذات ستقارب موضوعها، لا لتفرض رؤاها الجاهزة عليه، بل لتبحث فيه عن إجابات لما يثقل به عليها واقعها من أسئلة حارقة وحائرة، وإذا جاز القول إن السؤال: لماذا تخلف المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ (وهو السؤال الذي أصبح عنواناً لنص شهير كتبه الأمير شكيب أرسلان في ثلاثينيات القرن الماضي جواباً علي سؤال أرسله أحد مسلمي جزيرة جاوة إلي صاحب مجلة المنار)، هو السؤال الذي لايزال يضغط بثقله علي الذات العربية للآن، فإن السعي وراء إجابة منتجة علي هذا السؤال، لابد أن يكون هو القصد من أي مقاربة لكل من التراث وتجربة الحداثة الغربية، وإذن فإن المعرفة تكون نتاج “البحث” عن جواب لسؤال وبكيفية لا يبتدئ معها “البحث” من معرفة جاهزة تقصد الذات إلي فرضها علي موضوع معرفتها، وهو ما تجلي علي نحو صارخ، في جميع القراءات الأيديولوجية للتراث بالذات، وهكذا فإنه حين يكون القصد هو البحث عن إجابات لأسئلة يتفق عليها الجميع ليس السعي وراء أسانيد يدعم بها المرء ما يحمله من رؤي أيديولوجية جاهزة مسبقة، فإن ذلك يعني أن جوهر الاشتغال علي التراث هو معرفي بالأساس.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]