تجديد الخطاب الديني.. «العراق.. علي الوردي: وعاظ السلاطين..الظالم السني والشيعي»

كتب – مصطفي عبادةالأهرام العربي.

علي الوردي (1913ـ1995)، واحد من أنبه علماء العراق، رأي أمراض أمته كلها من جهل وتخلف وتكاسل، في الشخصية العراقية، فاتخذ منها منطلقاً، لتشريح حال الأمة والبحث عن سبيل لخروجها من هذه الحال، وقد جنبه الله العيش حتي هذه اللحظة، حتي لا يموت منتحراً، لو رأي ما حل ببلده، هو عالم اجتماع عراقي ومؤرخ، ومن رواد العلمانية في العراق، كان متأثراً بمنهج ابن خلدون، في علم الاجتماع، وله العديد من الكتب أشهرها: “مهزلة العقل البشري”، و”وعاظ السلاطين” و”منطق ابن خلدون”، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، شخصية الفرد العراقي، بحث في نفسية الشعب العراقي علي ضوء علم الاجتماع الحديث.
حلل علي الوردي الشخصية العراقية باعتبارها شخصية ازدواجية، شأن العرب جميعاً، تحمل قيماً متناقضة هي قيم البداوة، وقيم الحضارة، وتميز تحليله بالغوص في دراسة العادات والتقاليد، وما تنتجه من أخلاق، كما شن حملة شعواء علي الخلاف السني ـ الشيعي، وطالب بالنظر إلي موضوع الخلاف بين الإمام علي ومعاوية، علي أنه خلاف تاريخي، تجاوزه الزمن، ويجب علي المسلمين عوضاً عن ذلك استلهام المواقف التاريخية والآراء السياسية من هؤلاء القادة، لا باعتبارها خلافاً في الدين، وإنما خلاف علي طريقة إدارة الدولة كسياسة، والمشكلة الأكبر في رأي علي الوردي في تخلف المسلمين هي أن الحكام دائماً يستخدمون الوعاظ لتبرير ظلمهم، وأفاض في الأسباب التي دفعت الوعاظ لمجاراة السلاطين.
وقد أوجز عبدالوهاب الحمادي، رؤي علي الوردي في وعاظ السلاطين قائلاً: طرح الوردي أموراً مختلفة، منها أن منطق الوعاظ الأفلاطوني هو منطق المترفين والظلمة، وأن التاريخ لا يسير علي أساس التفكير المنطقي، إنه بالأحري يسير علي أساس ما في طبيعة الإنسان من نزعات أصيلة لا تقبل التبديل، وأن الأخلاق ما هي إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية.
يقول الوردي: إن الديمقراطية لم تنشأ في الأمم الحديثة من جراء أفكار صبيانية تحذلق بها الواعظون، إنما هي في الواقع نتيجة معارك طاحنة قامت بها الشعوب في وجوه حكامهم المستبدين، والديمقراطية لم تفتر عن الثورة حتي اليوم فتاريخها عبارة عن سلسلة متلاحقة من الثورات لا نهاية لها، إن نظام التصويت الذي تقوم عليه الديمقراطية الحديثة، ليس هو في معناه الاجتماعي إلا ثورة مقنعة، والانتخاب هو في الواقع ثورة هادئة حيث يذهب الناس إلي صناديق الانتخاب، كما كان أسلافهم يذهبون إلي ساحات الثورة، فيخلعون حكامهم أو يستبدلون بهم حكاماً آخرين، ويقول المستر ليمان الكاتب الأمريكي المعروف: “إن ثوار الأمم الديمقراطية يستخدمون أوراق التصويت بدلاً من رصاص البنادق”.
إن من النادر أن تسمع بحدوث ثورة مسلحة في البلاد الديمقراطية الحقة، إنهم لا يثورون لأن في ميسورهم، أن يجدوا للثورة طريقاً آخر، هو طريق التصويت الهادئ الذي لا يتلاعب به الحكام الأدنياء، فهم يبدلون حكامهم حينا بعد آخر، فلا تحدث فتنة ولا تسيل دماء والحكومة التي لا تدرب رعاياها علي اتباع طريق الثورة السلمية الهادئة، سوف تجابه من غير شك ثورة دموية عنيفة في يوم من الأيام، وأما في العالم الإسلامي المنكوب فقد كان السلاطين في عهودهم الغابرة، يستخدمون نوعين من الناس حاملي “السيف” وحاملي “القلم” وكانوا يبذلون من الأموال في رعاية حاملي “القلم” مثلما يبذلون في رعاية حاملي “السيف” فهم يبنون الثكنات والقلاع ومرابط الخيل في نفس الوقت الذي يبنون فيه المساجد والمدارس ورباطات الدراويش.
ثم يأتي بعد ذلك النزاع بين الشيعة والسنة، والذي اتخذ شكل التعصب لآل النبي من جهة، ولأصحاب النبي من الجهة الأخري، فأهل السنة تعصبوا للأصحاب، بينما تعصب الشيعة للآل، وأخذ كل فريق يغالي في تمجيد من تعصب لهم، التزم أهل السنة بالحديث النبوي القائل، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيهم أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي رحمة، والتزم الشيعة من الجانب الآخر بالحديث القائل، إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
أولئك جعلوا مقياس الفضيلة في الصحبة النبوية، وهؤلاء جعلوه في البيت العلوي، أخذ أهل السنة يطلقون علي الشيعة لقب “الروافض” باعتبار أنهم رفضوا الصحابة، بينما اطلق الشيعة علي أهل السنة “النواصب” باعتبار أنهم نصبوا العداء لأهل البيت وحالفوا أعداءهم الأمويين، وبهذا تمادي الغلو من كلا الجانبين وأصبح داء اجتماعياً وبيلا.
ولم يكن الشيعة “روافض” في أول أمرهم، وكذلك لم يكن أهل السنة نواصب وإنما هو التطرف والتعصب، سمما بالتراكم الفكري الذي أدي بهما إلي هذه النتيجة المحزنة، وإذا أراد الشيعة وأهل السنة في هذا العصر أن يتحدوا، فليرجعوا إلي شعارهم القديم، الذي اتخذه زيد بن علي وأبو حنيفة، أي شعار “الثورة علي الظلم في شتي صوره” لا فرق في ذلك بين الظالم الشيعي أو الظالم السني، إن هدف الدين هو العدل الاجتماعي، وما الرجال فيه إلا وسائل لذلك الهدف العظيم.
رأي علي الوردي أن الأزمة العظمي التي تسبب تخلف المسلمين في شيئين، الأول هو الانقسام المذهبي، وأن أحد الصحابة وهو علي، كان يمثل الدين، بينما معاوية يمثل الحكم الدنيوي، وهو أمر غير صحيح، فكلاهما كان يجتهد في الدين، وليس علي الأحفاد أن يدفعوا ثمن أخطاء تفسيرات الأجداد، فالحل إذن هو نبذ الخلاف الشيعي ـ السني، الذي رتب بالثاني، ما يسميه الوردي “وعاظ السلاطين” الذين كانوا يبثون سمومهم في البداية في المسجد وفقط، في خطب الجمعة والعيدين، داعين للسلاطين مبررين أخطاءهم، وفتكهم بمعارضيهم، لقاء “عيشة هنية” وهو ما يشبه ما يقول به السلفيون الآن، وعاظ وسلاطين العصر الحديث، يقول علي الوردي: لو تابعنا وعاظ السلاطين في رأيهم لألغينا الأحزاب الديمقراطية، وسددنا الصحف السياسية، وقمعنا كل رأي يخالف رأينا، بحجة أن هذه الأمور تفرق الجماعة وتضعف الأمة تجاه العدو الواقف لها بالمرصاد.
نسي هؤلاء أن الظلم يضعف الأمة أكثر مما يضعفها الجدال والتنازع، وقد قيل في المأثورات الدينية: “الكفر يدوم والظلم لا يدوم” فالأمة التي تتنازع فيها الأحزاب هي أقوي علي البقاء من تلك التي يكون الحاكم فيها ظالماً والمحكوم ساكتاً، فالتماسك الذي نلاحظه في تلك الأمة هو تماسك ظاهري أشبه بالورم المعدي منه بالنسيج الحي، إنه تماسك قائم بحد السيف، ولا يكاد ينغمد السيف عنه قليلاً حتي تراه قد تهاوي إلي الأرض كما يتهاوي البناء المتداعي.
يعتقد وعاظ السلاطين: إن كفاح الظالمين أمر هين جداً، فهو في نظرهم كغيره من أمور الإصلاح الاجتماعي لا يحتاج إلا إلي صب المواعظ الرنانة علي رءوس الناس: “أيها الناس لا تظلموا فإن الله لا يحب الظالمين” وهم حين يقولون ذلك يظنون أن الظالم سوف يرتدع عن ظلمه حالما يستمع إليهم، ونسوا أن الظالم لا يدري بنفسه أنه ظالم فهو يتخيل نفسه أعدل الناس وأكثرهم جهاداً في سبيل الله، والظالم حين يسمع الوعاظ يذمون الظلم يفرح كثيراً إذ هو يعتقد بأن المقصود بهذا الذم أعداؤه، أما هو فلا يمسه شيء من هذا الذم، وكيف يمسه الذم وهو يسير في حكمه علي كتاب الله وسنة رسوله.
وهذا كان من الأسباب التي جعلت طغاة العصور القديمة يبجلون الواعظين، ويجزلون لهم العطاء ويشيدون لهم المساجد الطويلة والأوقاف العريضة، وكلما كان الواعظ أكثر صراخاً وعويلاً في ذم الظلم كان أقرب إلي قلوبهم ذلك أن الواعظ يذم الظالمين، بينما صاحبنا الطاغية يعتبر نفسه من العادلين.
يجيد الواعظ عندنا سبك الخطب البديعة، فيستحسنها المترفون ويقولون له عند انتهائها: “لافض فوك، كثر الله من أمثالك، ثم يخرجون من مكان الاجتماع وقد عمرت أفئدتهم بالدعاء لخير العباد، أما العباد فيبقون كما كانوا في شقاء مقيم.
إنها مواعظ رائعة بذل أصحابها في نحتها كثيراً من أفانين النحو والصرف، والبيان والبديع، ثم يرمونها في الهواء أمواجاً يتلو بعضها بعضاً.
ومن حسن حظ البشر في الأزمنة القديمة أن هذه المواعظ كانت تقتصر في أثرها علي أمواج الهواء وحده، أما في هذا الزمان فقد صارت تشمل أمواج الأثير وأمواج الضوء أيضاً لا سيما بعد إنشاء محطات التلفزة.
إنها علي أي حال لا تحرك إلا الأمواج، كما كان العبيد يحركون مراوح أسيادهم في قديم الزمان، فهي مواعظ للترويح أو المريخ، والأسياد يحبون من يمرخ لهم أو يروِّح.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]